اللقاح أحد أعظم و أهم الإنجازات الطبية،في تأثيراته البيولوجية والاجتماعية و الاقتصادية عديدة.
اللقاح
اكتشف أول لقاح ناجح في العالم عام 1796م على يد الطبيب الإنجليزي إدوارد جينز، فكيف استطاع إدوارد جينر تحقيق هذا الإنجاز؟
كان الجدري من أكثر الأمراض فتكا بالإنسان على مدى التاريخ، حيث قتل نحو 300 مليون شخص في قرن واحد، بل وساهم في تدهور حضارات بأكملها و استمر المرض لمدة 3000 سنة على الأقل، لكن في عام 1796 توصل الطبيب جينز إلى أمر غير مجرى التاريخ، فقد لاحظ أن النساء اللواتي كن يحلبن البقر في قريته كن يصيبنا أحيانا بمرض يسمى "جدري البقر" وهو مرض ينتقل إلى البشر عن طريق تقرحات موجودة على البقر، لكن النسوة اللواتي يصبن بهذه العدوى كن لا يعانين من أي أعراض حادة عندما يصاب بجدري البشر على خلاف باقي المصابين، دفع ذلك جينر إلى السؤال عما إذا كان ذلك يعني أن جدري البقر يحمي من الجدري البشري.
لمعرفة الإجابة أخذ جينر عينة لتقرحات جدري البقر من يد إمرأة مصابة به وفي مايو عام 1796 لقح صبيا يبلغ من العمر 8 سنوات بالعدوى، وظهرت عليه أعراض جانبية ثم تعفى على الفور وبعد شهرين لقحه مرة أخرى، لكن بعدوى الجدري البشري وكانت المفاجأة حيث لم يصب الصبي بأي من أعراض المرض على الإطلاق.
بذلك أثبت جينر نجاح نظريته الثورية، لم يلق هذا الإنجاز انتشارا واسعا في البداية، لكن بدأ أطباء حول العالم باختبار النظرية و إثبات نجاحها.
بدأت حكومات دول عديدة مثل روسيا و أمريكا و الهند بالتشجيع على أخذ اللقاح، كما أمر الملك تشارلز الرابع ملك إسبانيا بإحضار اللقاح إلى المستعمرات الإسبانية.
مع كل هذا الدعم الدولي للتطعيم، بدأت حالات الوفيات تنخفض بشكل ملحوظ ففي لندن، انخفض عدد الوفيات من 18,447 إلى 7,858 في عشرينيات القرن 19، مما دفع حكومة المملكة المتحدة لإصدار قانون عام 1853 يجعل اللقاح إلزاميا خصوصا للأطفال مع فرض غرامة و سجن كل من لا يلتزم، ولحقتها أمريكا و ألمانيا و دول أخرى وفي الوقت ذاته، اتبع علماء حول العالم نمودج جينر لابتكار لقاحات جديدة لمحاربة أمراض أخرى من أبرزها شلل الأطفال، الحصبة و الحمى الصفراء.
لكن بقي الجدري أبرز الأمراض التي حظيت باهتمام الأوساط الطبية عالميا، وبعد عقود من محاربة المرض و إعطاء اللقاح و تطويره، أعلنت منظمة الصحة العالمية في 1980 على القضاء رسميا على الجدري، ليصبح الجدري الفيروس المعدي الوحيد الذي تم القضاء عليه في ما يعد واحدا من أبرز النجاحات في مجال الصحة العامة في التاريخ.
أما جينر فقد أصبح أحد أشهر العلماء في التاريخ الطبي وحاز على دعم و تكريم من الحكومة البريطانية ولقب بـ "أبو علم المناعة"، حيث أن نظريته التي تقول بأن جدري البقر يحمي البشر من الإصابة بالجدري كانت هي الأساس لعلم اللقاحات الحديث الذي نعرفه الآن.