هل سبق لكم أن سمعتهم ب المارستان، ربما مرة لكن هل تعرفون ما معناها؟ وهل تعلمون أنها شيء يتميز بها المغرب عن دول العالم كافة، تابعوا معانا و استمتعوا بصفحة من صفحات التاريخ لهذا البلد.
منذ قرون، كان يتم التعامل مع أي شخص لديه مشكل نفسي على أنه مجنون و يتم نفيه مجتمعيا، ويصبح مأواه الشارع يعاني من الحر والبرد والجوع وسوء المعاملة.
مشاكل من هذا النوع عادة عند سماعنا بها نقول وجب تدخل الطب النفسي لعلاج هذه الحالات قبل الحكم على الشخص بالجنون، و يخطر على بالنا لدى ذكر الطب نفسي علماء النفس ك سيغموند فرويد و ألفريد إدلر و غيرهم...لكن القصة أقدم من ذلك حيث ترجع أحداث قصتنا سنة 1286 ميلادية، في هذا تاريخ ستفتح أول مصحة للعلاج النفسي في العالم.
أين كانت؟ فالمغرب عزيزي القارئ و تحديدا مدينة فاس حيث توجد بها أقدم جامعة في العالم "القرويين" و بها أقدم مصحة نفسية في العالم، أو ما كان يسمى بالمارستان، على يد السلطان المريني أبو يعقوب يوسف، مصحة كانت سابقة في التاريخ البشري وكان بها معالجون يتكونون في جامعة القرويين وبها طوروا هذا العلم وكتبوا مؤلفات و كتب ترجمت آنذاك لكل اللغات، لكي يصبح بمقدور الناس التعامل مع العقد و الأمراض.
المارستان استقبل حالات مرضية من داخل المغرب و حتى خارجه، وكان الغرض منه علمي أكثر منه مادي لهذا كان العلاج في الغالب مجانا، وكان المغاربة أنذاك هم أول من فكر في إنشاء مصحات أو مستشفيات خاصة بأمراض معينة، و أقاموا دارا للعجزة من لم يعد لهم مأوى، و مصحات خاصة للأمراض الخطيرة و الفيروسية (الجدام و الطاعون...).
مارستان هي كلمة فارسية و معناها باللغة العربية "دار المريض" و كانت في الأصل بيمارستان ومن باب التخفيف أزالوا الحروف الأولى وأصبحت مارستان.
مارستان فاس سمي عليه أنذاك "باب الفرج" أو "سيدي فرج" نسبة لمديره وهو أحد أفضل الأطباء الذين خدموا به وكان إسمه فرج، وكان المارستان الوحيد في العالم وقد أدخلت عليه التحسينات مع الوقت، ليكون سببا في بناء مارستان مثله في الأندلس بالظبط في بلنسية (فالنسيا حاليا) سنة 1410 ميلادية.
مارستان سيدي فرج يوجد اليوم قرب سوق العطارين بفاس المدينة القديمة، شكله مثل الرياض، الطابق الأول به 18 غرفة مخصصة للرجال، و الطابق الثاني به 22 غرفة مخصصة للنساء تتوسطه ساحة صغيرة وسطها حديقة و خصة ماء من أجل المرضى كي يتنفسوا الهواء النقي ويساعدهم في العلاج، إضافة لغرف مخصصة للصلاة و قراءة القرآن.
العلاج في ماريستان كان يبدأ بالموسيقى، نعم الموسيقى الأندلسية و الغرناطية و أصناف آخرى وعليها كان يبنى العلاج و يختار الأطباء العلاج المناسب وما يجب أن يقام به كعلاج بالحوار أو المساعدة و التوجيه أو الدواء.
المارستان كان به أطباء بالإضافة إلى موظفين آخرين والممرضين والمساعدين و الحراس و الطباخين بالإضافة إلى طاقم الإدارة و التسيير.
وقد تحدث العديد من المؤرخين على أن مارستان فاس كان هو السبب في تطوير المستشفيات حول العالم، كونه أول مستشفى وفر المأكل و الرعاية و الاهتمام بالشكل الذي نعرفه اليوم.
مارستان سيدي فرج عمل لأزيد من 650 سنة، و سيقفل بشكل نهائي إبان فترة الإستعمار الفرنسي، ليصبح مجرد بناية ذات طابع تاريخي ومعلمة شاهدة على قوة مدينة فاس أنذاك.