الحرب العالمية الأولى
شرارة بدأت في منطقة البلقان وبعدها انتقلت لأوربا كاملة وقسمتها إلى حلفاء (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا والجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية الروسية) وقوة مركزية (الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا)، وبعدها لأول مرة في التاريخ حرب يشارك فيها مقاتلين من كل القارات " الحرب العالمية الأولى" .
شارك في هذه الحرب حوالي 70 مليون جندي 60 مليون منهم أوروبيين و بخسائر بشرية قدرت ب 40 مليون بين قتلى وجرحى ومفقودين من عسكريين ومدنيين في 4 سنوات و 3 أشهر فقط، أرقام مرعبة لم يصل لها التاريخ البشري قط، فما هي أسبابها ؟
السبب المباشر
لقاء شخصين لأول مرة في حياتهما لأقل من دقيقة واحدة، غير هذا اللقاء مجرى التاريخ ، الشخص الأول Gavrilo Princip شاب بوسني من أصول صربية شهد على انتقال بلده من سلطة العثمانيين إلى سلطة الإمبراطورية النمساوية المجرية وهو كان ضد الاثنين مؤمنا أن البوسنة أصلها سلافي : ( العرق السلافي هو أحد الأعراق الموجودة في شبه جزيرة البلقان ) Gavrilo كان يرى أن كل الدول الموجودة ضمن شبه جزيرة البلقان كصربيا و البوسنة وكرواتيا من المفترض أن يكونوا شعبا واحدا ويتوحد في يوغوسلافيا، وفي اعتقاده النمسا هي العدو لهذا الشعب.
 |
| Gavrilo Princip |
 |
| اليد السوداء |
وكان الأرشيدوق النمساوي Franz Ferdinand von هذا الأرشيدوق هو الشخص الثاني من المقابلة كما سلفنا الذكر، المقابلة التي ستغير مجرى التاريخ، الأرشيدوق كان ولي عهد النمسا و المجر وكان الوريث الشرعي لعائلة Hapsburg التي تحكم هذه الإمبراطورية، التي كانت تضم النمسا و المجر ، جمهورية التشيك ، سلوفاكيا ، سلوفينيا ، كرواتيا و أجزاء من بولندا ، أوكرانيا ، رومانيا وكذالك البوسنة والهرسك، كلهم تحت حكم عائلة Hapsburg التي كانت ترى أن النمساويين و المجريين هم فقط من يصلحون للحكم والآخرون يعتبرون أقل منزلة منهم.
 |
| Franz Ferdinand |
الأرشيدوق كانت لديه نظرة مختلفة عن عائلته الحاكمة لدرجة أنه كان متزوجا من امرأة من عامة الشعب، وكان يدعوا لمعاملة السلافيين بشكل أفضل والحل الوحيد هو امتصاص غضبهم و احتوائهم أو ستزيد رغبتهم في الانفصال، كان الأرشيدوق رجلا إصلاحيا ويريد استمرار الإمبراطورية .
الخلاصة لما سبق النمسا كانت تكره الصربيين و العكس صحيح.
وفي 28 يونيو 1914 تقابل كل من Gavrilo Princip و Franz Ferdinand، الأرشيدوق قرر زيارة البوسنة هو وزوجته و منظمة اليد السوداء قررت تكلف ستة أشخاص لاغتياله هؤلاء الأشخاص انتقلوا من بلغراد إلى البوسنة معهم قنابل و مسدسات موزعين على طول خط مسيرة الأرشيدوق الذي كان يمر بسيارة مكشوفة، فمرت السيارة أمام يديليكو كابرينوفيك فألقى قنبلة غير أنها ارتطمت بالسيارة و انفجرت في المتجمعين، ونجا ولي عهد النمسا من محاولة الاغتيال الأولى، بعدها قرر الأرشيدوق الذهاب للزيارة للمصابين في المستشفى وفي صدفة لا تحدث إلا مرة واحدة في التاريخ، سارت سيارة الأرشيدوق في الطريق الغلط ووجد نفسه في شارع فرانس جوزيف أمام Gavrilo Princip الذي أخرج مسدسه وقام باغتيال ولي عهد النمسا وزوجته ونجح الاغتيال .
واعتبرت النمسا اغتيال ولي عهدها من طرف الصرب إعلانا للحرب، فبعثوا إعلانا للحكومة الصربية بمطالبهم، مطالب إذا قبلتها صربيا ستكون فعليا تحت حكم الإمبراطورية النمساوية وقبل إرسالهم للإعلان فقد كلمت النمسا ألمانيا كونها حليفتهم وفعلا دعمتهم ألمانيا تحت مسمى اتفاقية Blank cheque.
بعدما توصل الصرب بمطالب النمساويين قاموا برفضها، وقبل رفض المطالب تأكد الصرب من وجود حليف لهم يقف معهم وكان الدب الروسي هذا الحليف، وفي هذه الفترة كانت مراسلات بين كل من Nicholas II و wilhem II و George V الذين كانوا أحفاد ملكة إنجلترا Victoria وكانت هذه الفترة تعرف بما يسمى تاريخيا أزمة 1914 The July Crisis.
بعدها أعلنت النمسا الحرب على صربيا و روسيا حركت جنودها إلى الحدود مع ألمانيا لتعلن ألمانيا الحرب على روسيا و فرنسا معا، لتقرر إنجلترا كسر الحياد وتعلن الحرب على ألمانيا و انضمت إيطاليا لصف ألمانيا و النمسا وطبعا فهذه الإمبراطوريات لن تحارب فقط بجنودها الموجودة في القارة الأوروبية فقط بل بعثت لجلب الجنود الموجودين في مستعمراتهم منها الموجودة في أمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية و في أفريقيا و آسيا.
كل من هذه الدول المشاركة في الحرب كانت لديها دوافعها للإعلان الحرب، فروسيا مثلا كان إمبراطورها Nicholas II يرى أن حكم أسرته الممتد ل 300 سنة مهدد وقريب من الانتهاء لأسباب كثيرة منها تحول أوروبا من الزراعة إلى الصناعة بشكل كامل و روسيا لازالت في الخطوات الأولى كما أنه كانت لازالت متأثرة بحربها مع اليابان 1905 م، فاليابان سلب الدب الروسي نفوذه في كوريا و الصين وبل وكانت هزيمة روسيا أمام اليابان السبب في قيام الثورة الشيوعية الأولى التي صاحبتها موجة من العنف و الإظطرابات في مدينة سان بيترسبورغ، فكانت هذه من الأسباب التي دفعت روسيا للمشاركة في الحرب سعيا منها للإعادة شيء من هيبتها بالإضافة إلى أسباب آخري عديدة فقررت روسيا و الإمبراطور Nicholas II التعبئة العسكرية وتحريك القوات يوم 30 يوليوز 1914 م ، التحرك الروسي كان الغرض منه استعراض القوة العسكرية.
وفي يوم 3 أغسطس أعلنت ألمانيا الحرب على فرنسا كون لديها اتفاقيات عسكرية مع روسيا، إضافة إلى أنه كانت حرب قديمة بينهما في 1870 م فازت بها ألمانيا و أخدت أراضي من الحدود الفرنسية فالعداوة كانت مستمرة .
 |
| Schlieffen |
فقد كانت ألمانيا تسعى للتغلب على فرنسا بشكل سريع لترغم روسيا على التفاوض وكسر الحصار، رئيس الأركان الألماني Alfred von Schlieffen قرر غزو فرنسا عن طريق بلجيكا معتمدا على خطة أسماها Schlieffen على إسمه، الخطة كانت أن الجيش الألماني سيغزو فرنسا عن طريق بلجيكا وفي غضون أيام قليلة سيستطيع الوصول إلى باريس بسهولة.
لكن خطة Schlieffen لم تنجح كون بلجيكا استماتت في الدفاع والجيش الفرنسي خدع الجيش الألماني وبدل الوصول إلى باريس الجيش الألماني توقف فقط على الحدود الفرنسية وحفرت خنادق و فرنسا هيا كذالك بالمثل حفرتهم واستمر الوضع على حاله إلى نهاية الحرب.
في 4 أغسطس أعلنت إنجلترا الحرب على ألمانيا
فرغم العداوة التي كانت تجمع بريطانيا مع فرنسا لمئات السنين إلا أن هذه الفترة كانت تعرف بينهما ودا وصداقة ومع روسيا كانت الأمور جيدة، بريطانيا لم تكن تسعى للعداوة مع فرنسا بسبب مستعمراتها في إفريقيا و الهند كانت قريبة من النفوذ الروسي كل هذه الأمور جعلت بريطانيا تسعى للود معهم.
أما ألمانيا كانت تتحدى إنجلترا و دخلت معها في سباق تسلح عسكري بحري لإنشاء أسطول أقوى من الأسطول البحري البريطاني، ومن تلك الفترة أصبحت ألمانيا مصدر قلق لإنجلترا.
في بداية الحرب وجدت إنجلترا نفسها أمام خيارين إما فوز روسيا وفرنسا بالحرب دون مساعدتها و رفع دعمهما عن إنجلترا في المستعمرات أو ألمانيا تفوز وستصبح إنجلترا أمام عدو صريح، هنا إنجلترا حسمت قررها و أعلنت الحرب على ألمانيا.
دخول اليابان الحرب
دخلت اليابان الحرب كونها حليفة بريطانيا، لكن عمليا فاليابان كانت تسعى للجزر المستعمرة من طرف ألمانيا في المحيط الهادين كندا و أستراليا هما كذالك شاركا في الحرب كونهما رسميا تحت حكم الملك George V ملك بريطانيا.
دخول الدولة العثمانية و إيطاليا الحرب، وفي أبريل 1917 م قبل سنة واحدة من نهاية الحرب دخلت أمريكا الحرب ودخولها كان حاسما في تحديد الطرف المنتصر و مؤثر في الدور الذي ستلعبه أمريكا بعد ذالك في العالم المستمر إلى يومنا هذا.
الخلاصة أن الحرب العالمية الأولى شكلت عالم اليوم، صعود أمريكا وظهور الإتحاد السوفيتي والحرب الباردة لاحقا، كما بلورت أفكار مهمة كالقومية وحقوق الإنسان و القانون الدولي، كما أن الحرب العالمية الأولى أنتجت هتلر.